الخميس، 26 مارس 2015

الرقص الشرقي منذ البداية

قد يُعرّف الرقص الشرقي بأنه عبارة عن حركات متناسقة بين كل عضو من أعضاء الجسد تؤديها الراقصة,
في حقيقة الأمر هذا التعريف صحيح لكنه ليس بعميق, دعونا أولا نتعرف على تاريخ الرقص الشرقي وبداياته.


الرقص الشرقي ليس حديثا على العالم العربي هو موجود منذ الالاف القرون في الحضارات القديمة.
يعتقد الكثير من المؤرخين أن الرقص الشرقي ينبع من كل تلك الرقصات القديمة التي تم تنسيقها حتى ظهر لنا مايسمى بالرقص الشرقي.

من المحتمل إرجاع هذه الرقصة لبلاد مابين النهرين - يطلق هذا الاسم على حضارات العراق - ومصر واليونان وبلاد فارس والهند , حيث عُثرت على نقوش المعابد التي تصور هذا الرقص .
لكن في الحقيقة هذا الرقص ارتبط بطقوس دينية كانت تُمارس آنذاك, فالآلهة كانت هي مصدر الطبيعية والنماء في كل الأحوال, وكان من أهم المصادر الطبيعية التي كانوا يطلبونها من الآلهة خصوبة الإنجاب والتكاثر, ولارتباط الخصوبة بالأنثى ارتباط رمزيا كان لا بد من تقديم فتاة عذراء لخدمتها كنوع من أنواع الطلب والتقرب للآلهة.
فكانت تُرسل الفتيات العذراوات من منطلق الوازع الديني لممارسة البغاء في المعابد باسم الدين, وكانت من ضمن الخدمات المقدمة للآلهة هو الرقص في المناسبات والأعياد كطقس من طقوس العبادة والتقرب, وكان هذا الرقص يتمثل في إظهار الجزء الأدنى من البطن أو - الرحم - باعتباره مصدر الخصوبة .

خلال العصور الوسطى كان في مصر فئات مختلفة من الراقصات, كان من ضمنهم الغجريات أو النَور, هاجرن الغجريات لمصر واحترفن الكثير منهن الرقص وتقديم المتعة للتجار والمرتحلين, سُمين في مصر الغوازي, كانت الواحدة منهن ترقص ولا علم لديها لا بالألحان ولا بالغناء,على العكس من النساء الأُخريات اللاتي سُمين بـ(العوالم), والعوالم هي الجمع لمفردة ( عالمة ) كانت العالمة تتميز عن الغازية بمعرفتها بالألحان والعزف, بل وبعضهن يحفظن القصائد والأشعار بالإضافة لرقصهن.

(ماتا هاري)

في ثمانينات القرن التاسع العشر ظهر الرقص الشرقي في أوروبا لأول مرة وبدأ يشتهر باسم (رقص سالومي) وهذا يقودنا للقصة التي يتناقلها الناس عبر الأزمان , فقبل الالاف القرون كانت الشام تخضع للحاكم الروماني هيرودوس, الذي أُعجب في زوجة أخيه هيروديا فأخذها من أخيه بالقوة ليتخذها زوجة لها, بعد أن هربت إليه مع ابنتها سالومي والتي كانت هي أيضا شديدة الجمال كأمها وذات أنوثة رقيقة, لم ينكر أحد آنذاك مافعله الحاكم هيرودس سوى النبي يحيى الذي بلغه الأمر وغضب فكان يجوب المدينة ويقول : لا تحل لك , لا تحل لك .
حتى بلغ ذلك الحاكم وأمر بإحضاره وسجنه دون قتله لكونه من الأنبياء وقتله يعني غضب الشعب, حاولت هيروديا في الحاكم أن يقتل يحيى لكنه كان يرفض, وقيل أنها ولتنفيذ خططها أهدت ابنتها سالومي للحاكم وقيل في قصة أخرى أن سالومي سمعت صوت يحيى العذب في السجن فدخلت واقتربت منه
وسألها يحيى: من أنتِ؟ 
فأجابت أنا سالومي ابنة هيروديا ملكة البلاد.
 فقال لها : ابتعدي عني .

ورغم الاختلاف في هذه النقطة إلا أن من نقلوا القصص اتفقوا على أن نهاية النبي يحيى لم تكن إلا على يد سالومي,
بعد خروج سالومي من سجن يحيى أصيبت بإحباط شديد وفي يوم عيد كان الكل يحتفل في قصر هيرودس عدا سالومي التي كانت متضجرة وحزينة, فلاحظ هيرودس هذا,
وقال لها : اشربي حتى يذهب عنك الحزن.
فردت سالومي: لا أريد.
فقال هيرودس: إذن قومي وارقصي.
فردت : لا أريد.
وكنوع من الإغراء لها قال : قومي وأعطيك ماتشائين.
ففرحت وقالت : أحقا سوف تعطيني ما أطلب؟
قال لها : أجل.
قالت له: أقسم!
فقال لها : أقسم لك ياسالومي بآلهتي.
قامت سالومي وذهبت مسرعة وبدلت ثيابها بلبس شفاف وبدأت بالرقص على أنغام الموسيقى بكل دلال ورقة.
بعدما انتهت,
قال لها هيرودس : اطلبي ماتشائين.
فقالت : أريد رأس يحيى على طبق من فضة.

لولا رقص سالومي لم يكن هيرودس سيلبي طلبها .
إذن لربما يكون السبب وراء تسمية الرقص الشرقي بـ(رقص سالومي) في ثمانينات القرن التاسع العشر هو تلك الترسبات التي جاءت من خلال المعتقدات والقصص الدينية , وهذا ما يجعلنا نعود لحيث بدأنا بأن الرقص الشرقي في أساسه وبداياته لم يكن إلا كنوع من أنواع الطقوس الدينية .

من أسهمت في الترويج للرقص الشرقي في أوروبا والذي كان يُسمى برقص سالومي هي إمرأة هولندية تُدعى ماتا هاري , والتي اشتهرت قبل هذا كله بأنها راقصة عري ومومسا لدى رجال الطبقات العليا,وبعد هذا كله صارت جاسوسة حتى أُعدمت بالرصاص.


في مصر ازدهرت النوادي الليلية مما ساهم في تطوير الرقص الشرقي, وإظهار أشهر الراقصات الشرقيات, وفي اعتقادي لم تكن فقط النوادي الليلية هي السبب في تطور الرقص الشرقي بل أيضا ماشهدته مصر من تطور في إخراج الأفلام والمسرحيات وأجملها خصوصا من بداية ثلاثينات القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر, والتي كانت الأفلام بدورها بمثابة التوثيق لهذا الفن الرائع الارتجالي من قِبل الراقصات.
من أشهر راقصات مصر : سامية جمال , سهير زكي, تحية كاريوكا, نجوى فؤاد, نعمت مختار, وفيفي عبده وغيرهن الكثير.
ومن السذاجة أن نقتصر دور الراقصات الشرقيات في الرقص فقط, وخصوصا الراقصات المصريات في مصر كان لهن الدور البارز في السياسة, وسيرهن الذاتية خير شاهد.



يعتقد البعض أن من مقومات الرقص الشرقي الجسد الممشوق الذي لا بد أن تتميز به الراقصة, لكن في اعتقادي ورغم أن هذا من أهم الشروط إلا أن ضرورته ليست كضرورة الروح التي لا بد من أن تنفرد بها الراقصة, فالرقص روح بالمقام الأول, والدليل أن مقاطع الرقص للراقصات في الماضي لازال البعض يستمتع بمشاهدتها وكأنه يشاهد العرض أمامه لا على تلفاز .

تقول الراقصة فيفي عبده في أحد لقاءاتها: لا يوجد إمرأة لا تعرف الرقص.
نعم صحيح, بإمكان أي إمرأة إتقان الرقص الشرقي والترنح يمنة ويسرة على إيقاع الطبلة لكن ليس بالسهولة إرقاص الناس معها.
الرقص بالروح والجسد معًا, استغلال كل عضو وكل مفصل, التفاعل مع كلمات الأغنية وإيقاع الموسيقى يجعل المرأة الراقصة تشكل أجمل اللوحات وأعذبها وأمتعها للروح والعين.

الرقص الشرقي ربما هو الوحيد من بين كل تلك الرقصات الشهيرة حول العالم الذي يتميز بأنه بلا قيود وبلا خطوات محددة, كل ماعلى المرأة الراقصة فعله هو أن تصغي للموسيقى بكل حواسها وتطلق العنان لكل حاسة فسترقص دون أن تشعر بنفسها, ستتمايل المرأة الراقصة معه كيفما تريد, أن الرقص يعلمك كيف تنطلق من العالم المحسوس إلى العالم اللامحسوس, فكيف لو كان الرقص الشرقي الذي يجعلك تطلق العنان للجسد والروح في اعتقادي أنه يشابه بقدسيته قدسية تلك الرقصات الصوفية.

الرقص الشرقي في بعض الرسومات:




الرقص الشرقي ليس إلا اندماج في الفراغ وملأه,
هو التناسق بين حركات الجسد وانعكاس للروح
هو التجسيد لكل المعاني وأضدادها.

تحياتي:
روان

الخميس، 12 مارس 2015

كتبي كلها لا تمثلني

تشهد الرياض هذه الأيام المحفل الثقافي السنوي في أغلب بلدان العالم وهو معرض الكتاب.

يزخر المعرض بالكثير الكثير من الكتب، الجيد منها والرديء.
كما يشهد أيضا معرض الكتاب هذه السنة الكثير من الأسماء الشابة التي دخلت لساحة الكتابة.

في يوم الخميس ١٢ مارس و أثناء مشاهدتي لبعض اللقاءات التي تجريها القناة السعودية الثقافية من داخل المعرض مع بعض الزوار والكتّاب لفت نظري أحد الكاتبات والتي يتضح أنها صغيرة في السن لم تتجاوز العشرينات من عمرها وربما تجاوزته لكن الأكيد أنها قليلة تجربة في مضمار الحياة وهذا يتضح في طريقة إجابتها عن أسئلة اللقاء !

يسألها المذيع عن كتابها ومنذ متى بدأت الكتابة وتلك الاسئلة الروتينية التي تُوّجه عادة للكتّاب للترويج عن كتابهم لا الإستفادة من تجربتهم أو حوارات تثري الفِكر وتنفع المشاهد . 
 
وجه المذيع للكاتبة سؤال حول كتاباتها ومن تقصد بنصوصها ؟
قالت أنها كانت قصة واقعية لإحدى صديقاتها فأوحت لها تجربتها بكتابة العديد من النصوص الشعرية .
ثم حاول المذيع أيضا إعادة مضمون السؤال بصياغة أخرى فقالت بالحرف الواحد:
( كتبي كلها لا تمثلني )

دُهشت !
إذا كان الكاتب كتبه لا تمثله، تمثل من إذا ؟
الجني الأزرق ؟ - بالمناسبة الجني لا لون له - . 

وإذا كان الكاتب ينقل معاناة مجتمعه فهل هذا يعني أن يلغي ذاتيته من كتاباته ونصوصه؟ 

بحثت عن اسم الكاتبة في محرك البحث GOOGLE ، والصدمة الأكبر أنها لم تكن كتاباتها إلا عبارة عن ( صف حكي ) و ( سلق بيض ) .

بغض النظر عن كل ماكتبت .
فإن المرأة العربية في الغالب لا تستطيع التعبير عن مشاعرها إلا بالتدوين والكتابة نتيجة القيود التي فُرضت عليها فإذا ماسُألت هل ماتكتبينه يعبر عنك ؟ أو عن تجربة واقعية حصلت لك؟
فتجيب بخوف : لا، وتبدأ بتبرير مشاعرها.
مقابل أن الرجل الذي يكتب الأشعار والنصوص الغرامية إذا وُجه له السؤال هل عشت ماتكتبه؟ أجاب بذكر كل بطولاته الغرامية بكل اعتزاز ! 

بالمقارنة مع حال الشاعرات سابقا والمستشعرات الآن ، فالشاعرات في الماضِ كانت الواحدة تصرّح عن مشاعرها دون خجل، فمثلا ولادة بنت المستكفي شاعرة العصر الأندلسي كانت تصرح بحبها لابن زيدون في قصائدها وابن زيدون بادلها الحب بالحب فنُقل لنا أعذب الشعر .

لا عيب في المشاعر، ونكران المشاعر يعني أن ينكر الشخص ذاته.
ورغم ذلك لا أقصد أن يبتذل الشخص مشاعره فيصرّح عنها بكل جرأة وبكل مكان ، فجوهر المشاعر يكمن في إظهارها بشكل يليق بها .

الكتابة لا تحتاج لهذا الخجل والخوف، الكاتب فعلا من يصرّح عن مشاعره بكل جرأة في نصوصه وقناعاته وكل مايفكر به في حدود هو يضعها لنفسه لا من حوله.

أتفهم جدا أننا في مجتمعات لا ترحم المرأة الجريئة وتعتبرها خارجة عن المألوف والدين والعادات والتقاليد وكل تلك القيود التي فُرضت عليها لكني لا أستطيع تقبّل فكرة أن تجعل المرأة نفسها كآلة لا تشعر ولا تحس وتبرر مشاعرها وكأنها اقترفت ذنب . 

تحياتي:
روان

الأحد، 8 مارس 2015

ماذا يعني أن يكون لي يوم ؟

في كل هذه الظروف التي تعيشها المرأة العربية تدرك أن يوم المرأة العالمي ماهو إلا يوم الخداع والزيف وكنوع من الـ(طبطبة) على النساء بعد سنين من الظلم الواقع عليهن نتيجة العادات المجتمعية والموروثات الدينية.

ماذا يعني أن يكون لي يومٌ مقابل ٣٦٤ يوم للرجل؟
كل الأيام أيام الإنسان
والمرأة إنسان يستحق أن يعيش كل أيامه بحياة كريمة وبحقوق محفوظة يصونها القانون لها.
لا أعرف جيدا عن وضع المرأة في البلدان العربية ولكني أدرك وأعي وضع المرأة السعودية التي يحاول كل من أراد الشهرة التسلق على أكتافها فيتحدث عن مواضيعها وقضاياها ويستميت إما في الدفاع وإما في الهجوم.

في الثامن من شهر مارس من كل سنة، تتزين صحفنا السعودية بمطالب النساء، - بالمناسبة حتى الان لا يوجد إمرأة شغلت منصب رئاسة التحرير في الصحف السعودية- هذه الصحف والجرائد تتحول إلى سفرة طعام في أحيان كثيرة، و بعض الصحف وكنوع من التغيير و ( التفاؤل المصطنع ) تظهر إنجاز النساء السعوديات، فتبدأ بعض الصحفيات اللاتي يكتفين باسمائهن واسم والدهن بكتابة انجاز بعض الأكاديميات وسيدات مجتمع فاضلات
هن أنموذجا يحتذى به في الإصرار وتخطي كل عقبة تواجههن، إنما تبقى في الحلق غصة وفي القلب جُرح أن تصل المرأة إلى ماوصلت إليه وقرارتها ليست بيدها فتبقى تحت جناح الذل.
لا أقول بأن كل الذكور شياطين، ولكن أيضا ليس كل الذكور ملائكة.

ماذا يعني أن يكون للنساء يوم والنساء المطلقات والأرامل وغير المتزوجات والمتزوجات قضاياهن عالقة في أروقة المحاكم نتيجة عدم تفرغ أولياء أمورهن لهن، أو عدم توفر وسيلة مواصلات تقلهن لمكان المحكمة، وغيرها من العوائق الكثيرة ؟

ماذا يعني أن يكون للنساء يوم وتلك الصلاحيات المخولة للمرأة أقل من تلك الصلاحيات المخولة لرجل رغم أنهما في نفس المنصب !

ماذا يعني أن يكون للنساء يوم و مازال البعض ينظر لها بعين النقص نتيجة العادات المجتمعية و الموروثات الدينية ؟

ماذا يعني أن يكون للنساء يوم وفي كل شأن لا بد لها من توقيع من ولي أمرها حتى تستطيع إكمال دراستها أو توظيفها ؟

ماذا يعني أن يكون للنساء يوم ؟
مقابل ٣٦٤ يوم للرجل ؟

والمضحك المبكي أن بعض الذكور يمن على النساء حتى يومهن اليتيم هذا فيبدأ بالسخرية !
وبعد هذا كله تجد من يهاجم المرأة و ينعتها بأقذر الألفاظ و عدم مقدرتها على الإنجاز مقارنة بشريكها في الحياة وهو الرجل.
تحية لكل إمرأة حاولت وتحاول وستحاول بكسر كل مايقيّدها..
وكل أيام النساء بخير .. 

تحياتي:
روان